م الله و الصلاة و السلام على رسول الله
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
صفات الدجال وعلاماته
يدعي الدجال الربوبية ، ويأتي من الأعمال الخارقة ما يروّج به باطله ، حتى إن الرجل يأتيه ظاناً أن أمره لن يخفى عليه ، وأن باطله لن يروج عليه ، فعندما يرى ما عنده من مخاريق يتبعه ، ففي سنن أبي داود بإسناد صحيح عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من سمع بالدجال فلينأ عنه ، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن ، فيتبعه ، مما يبعث به من الشبهات ، أو لما يبعث به من الشبهات " (1) .
ومن نظر في أمر الدجال نظر معتبر علم يقيناً أنه مبطل ، وأن صفات الربوبية غير متحققة فيه ، فهو بشر مسكين عاجز على الرغم مما يجري على يديه ، يأكل ويشرب وينام ، ويتبول ويتغوط ، ومن كان هذا حاله كيف يكون إلهاً معبوداً ، ورباً للكائنات وهو محتاج إليها !!
ومع وضوح ذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا شيئاً كثيراً عن صفاته وأحواله كي يعرفه المؤمنون الذين يخرج في عصرهم ، وكي يستطيعوا مواجهته ولا يغتروا بباطله .
صفات عامة :
وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم وصفاً يبرز شخصيته ويحدد معالم جسمه ، ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى الدجال في الرؤيا ، وجاء في وصفه له : " رجل جسيم ، أحمر ، جعد الرأس ، أعور العين ، كأن عينه عنبة طافية ، ... أقرب الناس به شبهاً ابن قطن من خزاعة " (2) .
وفي مسند أحمد وسنن أبي داود بإسناد صحيح عن عبادة بن الصامت ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني حدثتكم عن الدجال حتى خشيت أن لا تعقلوا ، إن المسيح الدجال رجل قصير ، أفحج ، جعد ، أعور ، مطموس العين ، ليست بناتئة ولا حجراء ، فإن ألبس عليكم ، فاعلموا أن ربكم ليس بأعور ، وأنكم لن تروا ربكم " (3) .
وفي صحيح ابن حبان ، ومسند أحمد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الدجال أعور ، هجان أزهر ( وفي رواية : أقمر ) ، كأن رأسه أصلة ، أشبه الناس بعبد العزى بن قطن ، فإمّا هَلَكَ الهُلَّك ، فإن ربكم ليس بأعور " (4) .
أبرز صفاته :
1- عَوَرُ الدَّجال
ركز الرسول صلى الله عليه وسلم على وصف عيني الدجال ، لأن الدجال مهما تخلص من شيء من صفاته ، فإنه لا يستطيع أن يتخلص من عينيه ، والعينان ظاهرتان بارزتان يراهما كل أحد ، وبهما صفات واضحة لا تخفى ، فقد أشارت الأحاديث السابقة إلى عيوب في عينيه ، أوضحها أنه أعور ، وقد جاء في بعض الأحاديث أن العين العوراء هي اليمنى ، وجاء في أحاديث أخرى أنها اليسرى ، وكونها اليمنى أرجح ، فأحاديثها مما اتفق على إخراجه البخاري ومسلم ، وشبه الرسول صلى الله عليه وسلم تلك العين بالعنبة الطافية ، وفي حديث آخر وصف عينه اليمنى بكونها عوراء جاحظة لا تخفى كأنها نخاعة في حائط مجصص " .
ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن الدجال : " أعور العين اليمنى ، كأنها عنبة طافية " (5) .
وفي حديث أبي سعيد عند أحمد : " وعينه اليمنى عوراء جاحظة لا تخفى ، كأنها نخاعة في حائط مجصص ، وعينه اليسرى كأنها كوكب دري " (6) .
وهي مع ذلك ممسوحة كما سبق بيانه ، ففي صحيح مسلم : " الدجال ممسوح العين " (7) .
وقد وجه النووي الروايات توجيهاً آخر ، فهو يرى أن جميع الروايات التي وصفت عينيه كلتاهما بالعور روايات صحيحة ، فالعور معناه في اللغة : العيب ، وعينا الدجال معيبتان كلتاهما ، فقد ورد أن العوراء هي اليمنى ، وورد أن العوراء هي اليسرى ، وورد أن إحداهما طافئة بالهمز ، أي : لا ضوء فيها ، وورد أن الأخرى طافية بلا همزة ، أي ظاهرة ناتئة ، فعيناه على ما حققه النووي إحداهما لا يرى بها لذهاب نورها وهذه ممسوحة غير ناتئة ولا غائرة ، والأخرى لم يذهب نورها ولكنها معيبة بعيب آخر وهو ظهورها وبروزها ( ، وقد جاء في إحدى الروايات عند مسلم أن العين التي ذهب ضوؤها وهي الممسوحة عليها ظفرة غليظة ، " إن الدجال ممسوح العين ، عليها ظفرة غليظة " (9) ، والظفرة الغليظة جلدة تغشى البصر ، وقال الأصمعي : لحمة تنبت عند المآقي .
وقد وصف لنا الرسول صلى الله عليه وسلم عينه التي يرى به ، فقال : " الدجال عينه خضراء كالزجاجة " رواه أحمد وأبو نعيم بإسناد صحيح (10) .
2- مكتوب بين عينيه كافر
وهناك علامة أعلم الله بها الدجال يعرفه بها المؤمنون دون غيرهم ممن طمس الله بصائرهم ، وهذه العلامة كتابة بين عينيه نصها ( ك ف ر ) أو ( كافر ) ففي صحيح البخاري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما بعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب ، ألا إنه أعور ، وإن ربكم ليس بأعور ، وإن بين عينيه مكتوب كافر " (11) .
وفي صحيح مسلم مثل رواية البخاري ، إلا أنه قال : " مكتوب بين عينيه " : " ك ف ر " (12) وفي صحيح ابن خزيمة وسنن ابن ماجة ومستدرك الحاكم بإسناد صحيح عن أبي أمامة : " وأنه مكتوب بين عينيه : كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب أو غير كاتب " (13) وفي صحيح مسلم : " إنه مكتوب بين عينيه كافر ، يقرؤه من كره عمله ، أو يقرؤه كل مؤمن " (14) .
" والصحيح الذي عليه المحققون – كما يقول النووي رحمه الله تعالى – أن هذه الكتابة على ظاهرها ، وأنها كتابة حقيقة جعلها الله آية وعلامة من جملة العلامات القاطعة بكفره وكذبه وإبطاله ، ويظهرها الله تعالى لكل مسلم كاتب وغير كاتب ، ويخفيها عمن أراد شقاوته وفتنته ، ولا امتناع في ذلك ، وذكر القاضي عياض فيه خلافاً ، منهم من قال هي كتابة حقيقة كما ذكرنا ، ومنهم من قال : هي مجاز ، وإشارة إلى سمات الحدوث عليه ، واحتج بقوله : يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب وهذا مذهب ضعيف " (15) .
3- ليس له عقب
أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الدجال " عقيم لا يولد له " رواه مسلم في صحيحه (16) .
--------------------------------
(1) جامع الأصول : (10/354) ، ورقم الحديث : (7846) .
(2) صحيح البخاري ، كتاب الفتن ، باب ذكر الدجال ، فتح الباري : (13/90) .
(3) صحيح الجامع الصغير : (2/318) ، ورقمه : (2455) ، والأفحج الذي به فحج وهي طريقة في المشي معروفة ، سببها عيب في الخلقة ، إما اعوجاج في الساقين ، أو تباعد في الفخذين ، أو غير ذلك ، وقوله : " مطموس العين " ممسوحها كما جاء مبيناً في أحاديث أخرى ، و "الحجراء" : الغائرة .
(4) سلسلة الأحاديث الصحيحة : (3/190) ورقم الحديث : (1193) ، وقال الشيخ ناصر فيه : " صحيح على شرط مسلم " ، و " الهجان " : الأبيض ، بمعناه الأزهر ، وهذا لا ينافي كونه أحمر ، فإن الأبيض يشرب بالحمرة ، فيوصف بهذا وهذا ، و " الأقمر " الذي لونه لون الحمار الأقمر ، أي : الأبيض ، و " أصلة " هي الحية العظيمة الضخمة . و " الهلك " جمع هالك ، أي : فإن هلك بسببه كثير من الجهلة الضالين .. فإن ربكم ليس بأعور .
(5) صحيح البخاري ، كتاب الفتن ، باب ذكر الدجال ، فتح الباري : (13/90) ، ورواه مسلم في كتاب الفتن ، باب ذكر الدجال ، (4/2247) .
(6) فتح الباري : (13/98) .
(7) صحيح مسلم : كتاب الفتن ، باب ذكر الدجال : (4/2248) ، ورقمه : (2933) .
( راجع شرح النووي على مسلم : (18/61) .
(9) صحيح مسلم ، كتاب الفتن :(4/2249)، ورقم الحديث : (2934) .
(10) سلسلة الأحاديث الصحيحة : (4/477) ، ورقم الحديث : (1863) .
(11) صحيح البخاري ، كتاب الفتن ، باب ذكر الدجال ، فتح الباري : (13/90) .
(12) رواه مسلم ، كتاب الفتن ، باب ذكر الدجال ، (4/2248) ، ورقم الحديث ، (2933) .
(13) صحيح الجامع : (6/274) ، ورقمه (7752) .
(14) رواه مسلم ، كتاب الفتن ، باب ذكر ابن صياد ، (4/2245) .
(15) شرح النووي على مسلم : (18/60) .
(16) صحيح مسلم : (4/2242-2243